[center]بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا بجميع زوار ورواد منتدى لغة الضاد ,أهلا بكم في موضوع جديد
في هدا العدد نقدم لكم عنوان
| الضعف العام في اللغة العربية|
(مظاهره ـ آثاره ـ علاجه)
ترتفع بين الحين والآخر أصوات من كلّ الأقطار العربيّة شاكية مُرَّ الشّكوى من الضّعف العامّ في اللّغة العربيّة، ومتألّمة من الوضع المؤسف الّذي وصلت إليه هذه اللّغة على أيدي أبنائها، ومتوجِّسة الخوف الشّديد من خطر هذا الضّعف الّذي يزداد مع الأيّام سوءًا، ويتفاقم بإهمال شأنه صعوبة وتعقيداً.
ولا شكّ أنّ هذه الصّيحاتِ صادقة في التّعبير عن هذه المحنة الواقعيّة الّتي لا يُنكرها إلاّ مكابر، وصادقة في وصف الأخطار الماحقة المدمّرة الّتي تترتّب عليها إن استمرّتْ ولم يسارع أهل اللّغة الغيارَى على لغتهم إلى علاج ضعفها لدى القوم، والعمل على إعادة العافية إليها بينهم.
الحلقة الاولى: مظاهر الضّعف العامّ في اللّغة العربيّة
أوّلاً في المجال المكتوب:
- الجهل بقواعد الإملاء ومصطلحاته؛ فكُتِبَتْ همزةُ الوصل في أوّل الكلمة همزَةَ قطع، وهمزةُ القطع همزةَ وصل، وكتُبت الهمزة المتوسّطة والمتطرّفة بأوضاع مخالفة للقواعد المتعارف عليها، وأُهملت الشَّدَّة الّتي يعني إهمالُها إسقاطَ حرفٍ من الكلمة، ووقوعَ اللَّبْس في بعض الكلمات، وأهمل نقط الذال المعجمَة وصارت دالاً مُهَّملَة، وعوملت الثّاءُ بنقطتين فقط فصارت مُثَنّاة، وأُهمل نقط التاءُ المقفَلَة فساوت الهاءَ في آخر الكلمة رسماً ونطقاً، وكُتِبت الألف اللّيّنة في آخر الكلمة على حسب مزاج الكاتب ممدودةً أو مقصورةً بلا اعتبار للقواعد المعروفة، وكُتِبت التّاءُ المقفلَة مفتوحة والمفتوحة مقفلَة، وكُتِبت ألفٌ بعد واو (أرجو، ويدعو ويشكو .. وأمثالها). وهكذا سادت الفوضى والعبث في قواعد الإملاء العربيّ في الكتب والصّحافة والرّسائل والتّقارير وفي كلّ مكتوب.
- الجهل بالقواعد الصّرفيّة الواضحة الّتي يتلقّاها المتعلّم عادةً في مرحلة التّعليم الإعداديّة أو الثّانويّة، من ذلك قولهم على سبيل المثال : دعيْت بدلاً من دعوت، واستمرّيْنا بدلاً من استمررنا، ومُصان بدلاً من مَصون، والكبرتان بدلا من الكبريان، والهاديون بدلاً من الهادون… .
- الجهل بقواعد النّحو العربيّ جهلاً عمّت به البلوى حتّى أصبح ملازماً للكتابة إلاّ فيما ندر، فنصبوا المرفوع وجرّوا المنصوب، ولم يفرّقوا بين حالات الإعراب للمثنَّى وجمع المذكّر السّالم، وكتبوا الأعداد بالحروف كتابةً غريبة مخالفة للقواعد المرعيّة، ولم يعرفوا للصّفة أحكاماً، ولم يميّزوا بين النّكرة والمعرفة، وغير ذلك ممّا يطول الكلام فيه ولا نستطيع له حصراً.
- كثرة الأخطاء اللّغويّة الشّائعة المخالفة للمسموع من اللّغة وأصولها الثّابتة، كقولهم : جماد بدلاً من جُمادَى، ووريث بدلاً من وارث، والمبروك بدلا من المبارَك، و"لا يجب.." بدلاً من "يجب ألاّ.."، "وسوف لا"بدلا من "لن"، إلى آخر القائمة الطّويلة من الأخطاء اللّغويّة الشّائعة.
- الجهل بمعاني الأدوات اللغويّة ووظائفها، بحيث تُستْعمل استعمالاً اعتباطيّاً لا تُراعَى فيه دقة توظيف الأداة ؛ كعدم تفريقهم بين : "إذا" و"إن" الشّرطيّتين، و"لم" و"لما" الجازمتين، وحرفي الجواب "نعم" و"بلى"، و"لا"النافية للجنس و"لا"النّافية للوحدة، وكاستعمال أداة التوكيد في موضع لا يقتضي التوكيد، وسوء استعمالهم لـ"أحد" و"إحدى" في مثل قولهم: إحدى المستشفيات وأحد المدارس…
- عدم السّلامة في الأسلوب، وتركيب الجمل تركيباً يَنِمّ على التّكلُّف، وغلبة الرّكاكة والسّماجة والبعد عن جماليّات اللّغة، حتى إنّ الكلام المكتوب يهبط في أحيان كثيرة إلى مستوىً يقربُ من العامّيّة، أو يتسم بالجفاف الّذي لا يهزّ مشاعر ولا يُحدث في النّفوس الأثر المطلوب.
- إهمال علامات التّرقيّم من فاصلة وقاطعة وشارحة وغيرها إهمالاً تامّاً يُرْهق قارئ الكلام المكتوب في فهم معانيه، ويُصعِّب عليه إدراكَ علاقات الكلمات والجمل بعضها ببعض، ومعرفة النّهاية للكلام والبدء بكلام آخر. وبعضهم يستعمل علامات التّرقيم استعمالاً خفيفاً، ولكنّه يسئ وضعها في أماكنها الصّحيحة؛ فيضع الفاصلة موضع القاطعة وبالعكس، ويضع علامة التّعجّب مكان علامة الاستفهام.
قد يقال: إنّ علامات التّرقيم ليست من أصول اللّغة العربيّة، وهي دخيلة اقتبسناها من غيرنا، فكيف نعتبر إهمالها مظهراً من مظاهر الضّعف العامّ في اللّغة العربيّة؟.
وأقول: إنّ اقتباس لغتنا العربية علامات التّرقيم من اللّغات الأوربيّة، كان اقتباساً طيّباً أفادت منه لغتنا كثيراً، إذ تساعد هذه العلامات على معرفة المواقع المناسبة للوقف والابتداء في الكلام، وربط الجمل بعضها ببعض، وبيان علاقاتها الإعرابيّة والمعنويّة، وتنويع النّبرات الصّوتيّة الّتي تُبرزالأغراض المقصودة من الكلام، كالاستفهام، والتّعجّب، والاستنكار، والتّحسّر، والإغراء، والتّحذير، وغير ذلك، فهي لذلك ضروريّة في الكتابة العربيّة الحديثة، وخُلُوّ الكتابة منها يُعَدّ في العصر الحديث عَيْباً لا يقلّ قبحاً عن عيب الخطأ الإملائيّ أو النّحويّ، حيث يؤدّي ذلك إلى عناء القارئ في فهم المكتوب، أو تداخُل في الألفاظ والجمل، أو إلى غموض أو اضطراب في المعنى، أو عدم التّمييز بين كلام الكاتب والكلام المنقول عن غيره.
وإذا كانت علامات التّرقيم الحديثة دخيلةً على لغتنا، فإنّ لها أصلاً في تراثنا يدلّ على مبدئها وأغراضها، من ذلك علامات الوقف والابتداء الّتي وضعها علماؤنا لحسن أداء تلاوة القرآن، وبيان معاني آياته، والإشارة إلى العلاقة الإعرابيّة والمعنويّة الّتي تربط بعضَها ببعض. ومن ذلك أيضاً مباحث أهل اللّغة في الفصل والوصل، والوقف والسّكت، والعطف والاستئناف، ونصُّهم على تنويع النّبرات الصوتيّة تبعاً للمعنى المراد من ترغيب وترهيب، وتحذير وإنذار، واستفهام وتأثّر، وغير ذلك.
- المبالغة في استعمال الكلمات العامّيّة في الصّحافة العربيّة عموماً، أي إنّ الفصحى تتراجع في صحافتنا وخاصّة الفّنيّة والرّياضيّة أمام زحف العامّيّة.
- الإكثار من استعمال الكلمات الأجنبيّة بلا داعٍ مع سهولة المقابل العربيّ لها، كقولهم في مباراة كرة القدم: "ماتش" و"تيم" و"هاف تايم"،وقولهم في أمور العمل الصحفيّ: "ريبورتاج" و"مانشيت" و"ماكيت"، وقولهم في شؤون السّفر:"باسبور" و"فيزا" و"ترانزيت"، وقولهم في شؤون التّسويق :"شوبينج"، و"أوكازيون" و"سوبرماركت"…
ثانيا في مجال المسموع:
ونعني به الكلام الّذي يُسمع عموماً في محاضرة أو ندوة أو حوار وغيرها، أو ما يُسْمع من الإذاعتين المسموعة والمرئيّة من نشرات الأخبار والتّعليقات السّياسية والأحاديث والبرامج المتنوّعة والمسلسلات التّمثيليّة والإعلانات وغير ذلك.
- تشترك المجالات المسموعة مع الكتابة المقروءة في كلّ ما ذكرناه من الأخطاء الصّرفيّة والنّحويّة، والأخطاء الشّائعة، وركّة الأسلوب، وعدم التّرابط والانسجام بين الجمل، إلى آخر ذلك. إلاّ بعض الأخطاء لا تظهر في الكتابة بسبب عدم شكل الحروف عادة، ولكنّها تظهر عند النّطق. فمثل:دَعَوْا، نَسُوا، يَسْعَون، أنتِ تَحْظَيْن، المتوفّوْن، المصطفَيْن، لا يتبيّن الخطأ فيها إلاّ عند نطقها، فيقرأون: دَعُوا بدلا من دَعَوْا، ونَسَوْا بدلاً من نسُوا، ويَسْعُون بدلاً من يَسْعَوْن، وأنتِ تحظِينَ بدلاً من أنت تحظَيْنَ، والمتوفُّون بدلاً من المتوفَّوْن، والمصطفِين بدلاً من المصطَفَيْن، ومثلُ ذلك كثير على ألسنة المذيعين والمذيعات والمتحدّثين والمتحدّثات.
- القضاء تقريباً على النّطق الصّحيح للذّال والثّاء والظّاء، حيث تُنطق الذّال دالاً والثّاءُ سيناً والظّاء ضاداً. ويزيد البعض في بليّة طمْسِ الذّال والثّاء والظّاء بطمس الطّاء الّتي انقلبتْ في ألسنتهم إلى تاء، وطمس الضّاد الّتي ينطِقْنَها دالاً. ولا شكّ أنّ الملايين يُلازمون الاستماع إلىالإذاعات المسموعة والمرئيّة، ويتأثّرون بكيفيّة النّطق المشوَّه للأحرف المذكورة، وخاصّة الأطفال والبراعم الّذين هم في سنّ التّكوين والتّلَقِّي. ويُخْشَى إن استمرّ هذا الحال أن تنشأ أجيال عربيّة يَسْقُط من كلامها الذّال والثّاء والظّاء والضّاد، أو تجد في نطقها صعوبةً وعسراً يجدهما الأجنبيّ الّذي لم يتعوَّدْ نطقَها العربيّ من مخارجها الصّحيحة.
- نطق همزة الوصل في درج الكلام همزة قطع؛ فينطقون: الإستعمار، الإقتصاد،الإستثمارات، ما إسمك، هذا إبنك، بدلاً من النّطق الصّحيح: الاِستعمار، الاِقتصاد،الاِستثمارات، ما اسمُك، هذا ابْنُك، بحذف همزة الوصل لفظاً في أثناء الكلام، ولم نعد نسمع النّطق السّليم لهمزة الوصل في درج الكلام إلاّ نادراً ومن قبيل الصّدفة. وأسوأُُ استعمال لهمزة الوصل في درج الكلام هو نطق همزة"ال" همزة قطع، حتىّ أصبحت على ألسنة المذيعين والمذيعات محسوبةٍ من مواقع همزة القطع وفَقَدَتْ صلتها بهمزة الوصل فيقولون مثلاً: (عقد أَلمؤتمر أَلتّّعليمي أَلعربيّ دورته أَلخامسة يوم أَلأحد أَلماضي).
-